تفاصيل
اسم المؤلف لويز غليك
من المتعارف عليه أن علامة الذكاء الشعري أو الصنعة الشعرية هي الشغف باللغة، التي يعتقد أنها تعني التجاوب المحموم مع أصغر وحدات اللغة: الكلمة. يفترض أن الشاعر هو الشخص الذي لا يشبع من الكلمات المعقدة. بيد أن تجربتي لم تكن كذلك. منذ سن الرابعة أو الخامسة أو السادسة بدأت بقراءة القصائد، وبدأت أرى الشعراء الذين كنت أقرأ أعمالهم بوصفهم رفاقي وأسلافي -منذ البداية آثرت أبسط المفردات. ما فتنني كان الاحتمالات التي يتيحها السياق الذي توضع فيه المفردة. ما كنت أتجاوب معه، على الصفحةن هو الطريقة التي تستطيع القصيدة من خلالها أن تمارس فعل التحرر، عبر الإطار الذي توضع فيه الكلمة، عبر التوقيت والإيقاع الخفيين... وبدا لي أن اللغة البسيطة تناسب أكثر مثل هذه المغامرة... أحب الوزن لكنني أفضله خفياً...". تكاد مثل هذه النظرة إلى الشعر المنطلقة ظاهرياً من البساطة، ولكن القائمة على العمق، تختصر تجربة لويز غليك الشعرية. فهذه الصفة بالذات، أي استعمال الكلمات البسيطة، في تركيب شعري متكامل، وعبر أداة الإيقاع والموسيقى الخفيين أو غير النانين، لخلق التأثير الشعري، نلاحظه سمة دائمة في شعرها. وما يجري على الشكل يجري أيضاً على المضمون أو يمضي بالتوازي والتكامل معه. تقول غليك: "ما أتشارك به مع شعراء جيلي هو الطموح، وما أخالفهم فيه هو تعريف هذا الطموح. لا أعتقد أن الإكثار من المعلومات يصنع دائماً قصيدة ثرية. ما يجذبني هو المضمر، الذي لا يقال، الإيحاد، الصمت المعتمد البليغ. ما لا يقال في القصيدة يضمر قوة أكبر. غالباً ما أتمنى أن تصنع قصيدة كاملة من هذا التعبير، أي ما لا يقال، فهو يوازي غير المرئي مثلاً، قوة المخرب، العمل الفني الذي لحق به بعض الخراب أو الذي ليس بكامل. أعمال فنية كهذه تلمح دائماً إلى سياقات أكبر، إنها تلازمنا لأنها غير كاملة، وإن كان الكمال متضمناً فيها: زمن آخر، زمن كانت فيه كاملة، أو كانت ستكون كاملة فيه، متضمن فيها. كل التجرية الدنيوية جزئية. ليس ببساطة لأنها ذاتية، لكن لأن ما نجهله، عن الكون، عن الفناء، أوسع بكثير مما نعرفه. ما هو غير منجز أو ما دمر يعزز هذه الألغاز. المسألة هي في صنع كامل لا يضحي بهذه القوة". هكذا تتحرك لويز غليك ضمن مجالين يفصل بينهما خيط رفيع غالباً ما تنجح في الحفاظ عليه: مجال العادي، السردي، الأوتوبيوغرافي، اليومي، والواقعي. والمجال الآخر الإيحائي، الملغز، الميتافيزيقي، الخرافي أو الأسطوري. تستعيد أو تستعير الشاعرة مثلاً في "المروج" شخصيتي عوليس وبنيلوب والساحرة تسيريس من "الأوذيسة" لتنسج قصة متعددة المستويات حول الحرب والزواج والغياب والرغبة والخيانة والقدر والعودة وفكرة الرحلة وغيرها من معان. لا نحتاج إلى أن نعرف مثلاً أن المجموعة التي تلعب زوجة عوليس فيها، أي بنيلوب، دور الشاعرة كتبت بعد انفصال غليك نفسها عن زوجها، ذلك أننا سنجد في مجموعتين سابقتين "أرارات" وفي "القزحية" المتوحشة"، كما في غيرهما، التوظيف نفسه لعناصر ميثولوجية بما في ذلك "الأوذيسة" التي تحضر كغلالة تطرح من خلالها غليك هواجسها الكثيرة، أيضاً حول العلاقات، الغرامية وسواها، حول الإرث العائلي، الموت، الغياب، وبالطبع الثيمة الأكثر حضوراً عند غليك هي الخسارة أو الفقدان، ليتحول اليومي بهذا المعنى، بكل إيحاءاته أحياناً أو بكل فجاجته في أحيان أخرى إلى عملية بحث عما تسميه غليك "ما لا يقال"، ولتتحول القصيدة إلى ما يشبه صفحة ماء تبث فيها الشاعرة بعض الاضطراب وتدعنا نتأمل ترقرق الماء عليها.
- الرئيسية
- »
- عجلة مشتعلة تمر فوقنا
- يباع من booksh تصفح المنتجات الأخرى
- SKUsku_7_5046
- الشحنالتوصيل العادي ,
-
توصيل
يختلف بالنسبة للمنتجات المشحونة من دولة أخرى
التسليم في غضون 4 أيام عمل - الدولةالكويت
- أيام الارجاع0 يوم
تفاصيل
اسم المؤلف لويز غليك
من المتعارف عليه أن علامة الذكاء الشعري أو الصنعة الشعرية هي الشغف باللغة، التي يعتقد أنها تعني التجاوب المحموم مع أصغر وحدات اللغة: الكلمة. يفترض أن الشاعر هو الشخص الذي لا يشبع من الكلمات المعقدة. بيد أن تجربتي لم تكن كذلك. منذ سن الرابعة أو الخامسة أو السادسة بدأت بقراءة القصائد، وبدأت أرى الشعراء الذين كنت أقرأ أعمالهم بوصفهم رفاقي وأسلافي -منذ البداية آثرت أبسط المفردات. ما فتنني كان الاحتمالات التي يتيحها السياق الذي توضع فيه المفردة. ما كنت أتجاوب معه، على الصفحةن هو الطريقة التي تستطيع القصيدة من خلالها أن تمارس فعل التحرر، عبر الإطار الذي توضع فيه الكلمة، عبر التوقيت والإيقاع الخفيين... وبدا لي أن اللغة البسيطة تناسب أكثر مثل هذه المغامرة... أحب الوزن لكنني أفضله خفياً...". تكاد مثل هذه النظرة إلى الشعر المنطلقة ظاهرياً من البساطة، ولكن القائمة على العمق، تختصر تجربة لويز غليك الشعرية. فهذه الصفة بالذات، أي استعمال الكلمات البسيطة، في تركيب شعري متكامل، وعبر أداة الإيقاع والموسيقى الخفيين أو غير النانين، لخلق التأثير الشعري، نلاحظه سمة دائمة في شعرها. وما يجري على الشكل يجري أيضاً على المضمون أو يمضي بالتوازي والتكامل معه. تقول غليك: "ما أتشارك به مع شعراء جيلي هو الطموح، وما أخالفهم فيه هو تعريف هذا الطموح. لا أعتقد أن الإكثار من المعلومات يصنع دائماً قصيدة ثرية. ما يجذبني هو المضمر، الذي لا يقال، الإيحاد، الصمت المعتمد البليغ. ما لا يقال في القصيدة يضمر قوة أكبر. غالباً ما أتمنى أن تصنع قصيدة كاملة من هذا التعبير، أي ما لا يقال، فهو يوازي غير المرئي مثلاً، قوة المخرب، العمل الفني الذي لحق به بعض الخراب أو الذي ليس بكامل. أعمال فنية كهذه تلمح دائماً إلى سياقات أكبر، إنها تلازمنا لأنها غير كاملة، وإن كان الكمال متضمناً فيها: زمن آخر، زمن كانت فيه كاملة، أو كانت ستكون كاملة فيه، متضمن فيها. كل التجرية الدنيوية جزئية. ليس ببساطة لأنها ذاتية، لكن لأن ما نجهله، عن الكون، عن الفناء، أوسع بكثير مما نعرفه. ما هو غير منجز أو ما دمر يعزز هذه الألغاز. المسألة هي في صنع كامل لا يضحي بهذه القوة". هكذا تتحرك لويز غليك ضمن مجالين يفصل بينهما خيط رفيع غالباً ما تنجح في الحفاظ عليه: مجال العادي، السردي، الأوتوبيوغرافي، اليومي، والواقعي. والمجال الآخر الإيحائي، الملغز، الميتافيزيقي، الخرافي أو الأسطوري. تستعيد أو تستعير الشاعرة مثلاً في "المروج" شخصيتي عوليس وبنيلوب والساحرة تسيريس من "الأوذيسة" لتنسج قصة متعددة المستويات حول الحرب والزواج والغياب والرغبة والخيانة والقدر والعودة وفكرة الرحلة وغيرها من معان. لا نحتاج إلى أن نعرف مثلاً أن المجموعة التي تلعب زوجة عوليس فيها، أي بنيلوب، دور الشاعرة كتبت بعد انفصال غليك نفسها عن زوجها، ذلك أننا سنجد في مجموعتين سابقتين "أرارات" وفي "القزحية" المتوحشة"، كما في غيرهما، التوظيف نفسه لعناصر ميثولوجية بما في ذلك "الأوذيسة" التي تحضر كغلالة تطرح من خلالها غليك هواجسها الكثيرة، أيضاً حول العلاقات، الغرامية وسواها، حول الإرث العائلي، الموت، الغياب، وبالطبع الثيمة الأكثر حضوراً عند غليك هي الخسارة أو الفقدان، ليتحول اليومي بهذا المعنى، بكل إيحاءاته أحياناً أو بكل فجاجته في أحيان أخرى إلى عملية بحث عما تسميه غليك "ما لا يقال"، ولتتحول القصيدة إلى ما يشبه صفحة ماء تبث فيها الشاعرة بعض الاضطراب وتدعنا نتأمل ترقرق الماء عليها.