Details
اسم المؤلف هاشم صالح
لماذا أقول كل هذا الكلام؟ لسبب بسيط جداً: وهو أني غير مقتنع بأن المثقفين العرب استبقوا على الانفجار الهائل للواقع العربي الراهن. كل هذا الحريق المشتعل لم يخطر على بالهم ولو للحظة واحدة. كانوا في وادٍ والواقع في وادٍ آخر. أعمتهم الأيديولوجيات والشعارات الطنانة الرنانة عن رؤية الواقع كما هو ثم بالأخص أعمتهم عن الاستباق على الانفجار الكبير القادم. كانوا غاطسين في الأدلجات العمياء ولذلك لم يروه ولم يستبقوا عليه. بل إنهم فوجئوا به فجأة كاملة. هناك لحسن الحظ بعض الاستثناءات من كبار الشعراء والمفكرين. ولكن بشكل عام فإن المشكلة التراثية غابت عن الأنظار ولم يهتم بها أحد حتى انفجرت مؤخراً وأحرقت الأخضر واليابس. نقول ذلك على الرغم من أنها المشكلة رقم واحد للعصر. وأقصد بها مشكلة الطوائف والمذاهب واشتعال الحروب الأهلية والمجازر. كانوا يعتقدون أننا تجاوزنا الطائفية في حين أننا قفزنا عليها فقط أو دفنا رؤوسنا في الرمال كالنعامات لكيلا نرى خطرها الماحق. لم نتجرأ على مواجهتها وجهاً لوجه كما فعل فلاسفة الأنوار في أوروبا. لم نتجرأ على أنْ نحدق بها عيناً بعين كما يفعل المثقف الناضج المسؤول. فكيف يمكن أنْ تتجاوزها من دون أنْ تواجهها وتنقدها وتشرحها بل وتشرِّحها؟ وأتذكر أني عندما كنت أتحدث عن هذا الموضوع مع بعض المثقفين العرب في باريس كانوا يبدون دهشتهم بل ويستغربون إيلاء كل هذه الأهمية للموضوع. كانوا يعتقدون أنه موضوع ثانوي جداً. فإذا به بعد عشر سنوات فقط أو عشرين سنة يصبح الموضوع المركزي بامتياز: إنه موضوع المواضيع. كانوا يتوهمون أننا تجاوزنا المشكلة الدينية كلياً بعد البعث والناصريّة والماركسية والشيوعية وكل الحركات التقدمية. وبالتالي فقد أصبحت خلفنا ولا داعي لتضييع الوقت فيها. ونظراً لانعدام الوعي التاريخي أو الحس التاريخي لدى معظم المثقفين العرب فإنهم كانوا يعتقدون أن وضعنا مطابق لوضع المثقفين الفرنسيين أو الأوروبيين لمجرد أننا نعيش في نفس العصر ونفس اللحظة التاريخية: شهر نيسان /إبريل 2018. وبالفعل فإن مثقفي فرنسا وعموم أوروبا تجاوزوا المشكلة التراثية المسيحية. وتالياً تجاوزوا الطائفية كلياً. ولكننا كمثقفين عرب ما كنا ندرك أنهم لم يتجاوزوها إلا بعد أنْ عاركوها وعركتهم حتى العظم. وإلا فما معنى معارك فولتير وديدرو وجان جاك روسو وكانط وبقية فلاسفة الأنوار الكبار؟
- Home
- »
- Arabic Book
- Sold by booksh See other items
- SKUsku_37_7878
- ShippingOODDSS Economy Delivery 1KD,
-
Delivery
Varies for items shipped from an international location
Delivery within 4 business days - CountryKuwait
- Return0 days
Details
اسم المؤلف هاشم صالح
لماذا أقول كل هذا الكلام؟ لسبب بسيط جداً: وهو أني غير مقتنع بأن المثقفين العرب استبقوا على الانفجار الهائل للواقع العربي الراهن. كل هذا الحريق المشتعل لم يخطر على بالهم ولو للحظة واحدة. كانوا في وادٍ والواقع في وادٍ آخر. أعمتهم الأيديولوجيات والشعارات الطنانة الرنانة عن رؤية الواقع كما هو ثم بالأخص أعمتهم عن الاستباق على الانفجار الكبير القادم. كانوا غاطسين في الأدلجات العمياء ولذلك لم يروه ولم يستبقوا عليه. بل إنهم فوجئوا به فجأة كاملة. هناك لحسن الحظ بعض الاستثناءات من كبار الشعراء والمفكرين. ولكن بشكل عام فإن المشكلة التراثية غابت عن الأنظار ولم يهتم بها أحد حتى انفجرت مؤخراً وأحرقت الأخضر واليابس. نقول ذلك على الرغم من أنها المشكلة رقم واحد للعصر. وأقصد بها مشكلة الطوائف والمذاهب واشتعال الحروب الأهلية والمجازر. كانوا يعتقدون أننا تجاوزنا الطائفية في حين أننا قفزنا عليها فقط أو دفنا رؤوسنا في الرمال كالنعامات لكيلا نرى خطرها الماحق. لم نتجرأ على مواجهتها وجهاً لوجه كما فعل فلاسفة الأنوار في أوروبا. لم نتجرأ على أنْ نحدق بها عيناً بعين كما يفعل المثقف الناضج المسؤول. فكيف يمكن أنْ تتجاوزها من دون أنْ تواجهها وتنقدها وتشرحها بل وتشرِّحها؟ وأتذكر أني عندما كنت أتحدث عن هذا الموضوع مع بعض المثقفين العرب في باريس كانوا يبدون دهشتهم بل ويستغربون إيلاء كل هذه الأهمية للموضوع. كانوا يعتقدون أنه موضوع ثانوي جداً. فإذا به بعد عشر سنوات فقط أو عشرين سنة يصبح الموضوع المركزي بامتياز: إنه موضوع المواضيع. كانوا يتوهمون أننا تجاوزنا المشكلة الدينية كلياً بعد البعث والناصريّة والماركسية والشيوعية وكل الحركات التقدمية. وبالتالي فقد أصبحت خلفنا ولا داعي لتضييع الوقت فيها. ونظراً لانعدام الوعي التاريخي أو الحس التاريخي لدى معظم المثقفين العرب فإنهم كانوا يعتقدون أن وضعنا مطابق لوضع المثقفين الفرنسيين أو الأوروبيين لمجرد أننا نعيش في نفس العصر ونفس اللحظة التاريخية: شهر نيسان /إبريل 2018. وبالفعل فإن مثقفي فرنسا وعموم أوروبا تجاوزوا المشكلة التراثية المسيحية. وتالياً تجاوزوا الطائفية كلياً. ولكننا كمثقفين عرب ما كنا ندرك أنهم لم يتجاوزوها إلا بعد أنْ عاركوها وعركتهم حتى العظم. وإلا فما معنى معارك فولتير وديدرو وجان جاك روسو وكانط وبقية فلاسفة الأنوار الكبار؟